سورة الإخلاص
التسميه : سورة الإخلاص من السور ذات الأسماء المتعدده وقد
ذكر لها الرازي في تفسيرها ما يقرُب من
عشرين اسم منها: التوحيد , الأساس ,الصمد ,المعرفه ,المانعه,
البراءه , التجديد , النجاه ,الجمال.
ترتيب نزولها : جمهور العلماء – أنها من السور المكيه وان
نزولها كان بعد سورة الناس وقبل سورة النجم, اي
أنها السورة الثانية والعشرون في ترتيب النزول ويرى بعضهم
أنها مدنيه والأول ارجح لأنها جمعت أصل التوحيد
وهذا غالب في السور المكيه [التفسير الوسيط ]
سبب نزولها : أخرج الإمام احمد في مسنده عن أبي العاليه عن
أبيّ ابن
كعب . (أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أنسب لنا ربك فأنـزل الله تعالى " قُل هو الله أحد " إلى آخر
السوره (تفسير ابن كثير)
فضلها : روى البخاري عن عائشه رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ
لأصحابه في صلاتهم فيختم بـــ " قُل هو الله أحد " .. فلما
رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لما لأي
شيئ يصنعُ ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب ان
أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله تعالى
يحبه. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد .
روى البخارى عن ابي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأصحابه أيعجز احدكم أن يقرأ ثُلث القرآن
في ليله ؟ فشق ذلك عليهم وقالوا أينا يُطيق ذلك يا رسول الله ؟
فقال " الله الواحد الصمد ثلث القرآن"
معنى كون السوره تعدل ثُلث القرآن :
قال ابن تيميه في تفسير سورة الأخلاص : قالت طائفة من اهل
العلم إن القرآن باعتبار معانيه ثلاثة أثلاث .. ثلث توحيد وثلث
قصص و ثلث أمر ونهي و( قل هو الله احد ) هي صفة الرحمن
ونسبه فهي مُتضمنه ثـُلث القرآن.
وقال النسفي في تفسيره : ( وهذه السورة قد تجردت للتوحيد
والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن )
ثم قال (و فيه دليل على شرف علم التوحيد , وكيف لا يكون ذلك
والعلم يشرف بشرف المعلوم ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته
وما يجوزعليه وما لا يجوز.
•هل قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات تـُغني عن قراءة الـقرآن ؟
سئل ابن تيميه رحمه الله : إن كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث
القرآن مع قلة حروفها أكان للرجل أن يكتفي بها عن سائر القرآن ؟
أجاب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال انها( تعدل ثلث القرآن
) وعدل الشيء ما ليس من جنسه فإن ألف دينار تعدل من
الفضه والطعام والثياب وغير ذلك ما هو اكبر منها , فمن ملك
الذهب مثلاً فقد ملك ما يعدل ألف دينار من ذلك وإن كان لا
يستغنى بذلك عن سائر أنواع المال التى ينتفع بها لأن المساواه
وقعت في القدر لا وفي النوع والصفه فكان ثواب ( قل هو الله
أحد ) وإن كان يعدل ثواب ثلث القرآن في القدر فلا يجب أن
يكون مثله في النوع و الصفه ,
أما سائر القرآن ففيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ما يحتاج
إليه العباد فلهذا كان للناس محتاجين ومنتفعين به منفعه لا
تـُغني عنها هذه السوره وإن كانت تعدل ثلث القرآن .
*** *** ***
شرح الـتـفـسـيـر
جاء في تفسير الوسيط :
افتتحت السوره بفعل الأمر (قل) لإظهار العنايه بما بعـد هذا الأمر
من توجيهات وتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين
الذين سألوه أن ينسب لهم ربه.
ونقل الألوسي في تفسيره عن الماتريدي قوله : أن المأمور ليس
المُخاطب فـقط فالمخاطب بقل نفس التالي فكل احد ينبغي أن
يأمر نفسه بالقول به .
بدأت السوره بلفـظ ( قـل) وهو فعل أمـر . قال العلماء أنه جاء
لإظهار العنايه بما بعده . أي ليُبين أهمية الكلام الذي يأتي بعده
والمخاطب بهذا اللفظ ( قـل) هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمته أيضاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطب به ليرد
على المشركين الذين سألوه عن ربّـه فـقـالوا أنسب لنا ربّـك ,
ومخاطب به كل من يتلو القرآن أي أن كل مخاطب بهذا القرآن
مأمور أن يقول ويُعـلـن على نفسه هذه الأخبار التى جاءت في
السوره
وهذا يُبين لنا :
أن ما سوف يُقال بعد قوله ( قـل) نحن الآن محتاجون أن نردده
كثيراً على أنفسنا , وذلك لأن الإعلان المستمر على النفس
بحقيقة ما يجعل معناها يُعرض على القـلب كثيراً حتى تنطبع فيه
.. فكلما نطقت نفسك به وذكرته مره عرض على القـلب مره
وبكثرة النطق به وكثرة عـرضه على القـلب يستقـرهذا المعنى
في القـلب ويُطبع فيه فيسهل على الجوارح العمل بمقتضاه
ويتحول إلى واقع يعيشه الإنسان , لأن القـلب هـو الذي يملك
الجوارح فإذا صلُـح القـلب صلُحت الجوارح وإذا فسد القـلب
فسدت الجوارح ولكي يتضح لك أهمية الإعلان المستمر على
النفس لترسيخ المعنى في القلب وانقياد الجوارح له تبعاً لذلك .
** ** **
تامل هذا المثل :
رجلاً يحكى لأبنه بين الحين والآخر عن أوصاف شخص ما أنه
حسن الخُلق كريم الطباع .. ويكرر عـليه في اوقات
متقاربه مواقف و اخبار تؤكد هذا الوصف .. فكلما أكثر الحديث
عن هذا الشخص انطبع في قـلب الإبن محبة هذا
الشخص وتوقيره فإذا إلتقى به فإن جوارحه تتصرف تلقائياً
فيبتسم حين يراه ويقبل عليه ويجد راحه في الجلوس معه
ويسعد بخدمته .
وإذا كان ما يقال له عن هذا الشخص على الـنقيض من كونه
سيء الخلق خبيث الطبع .. ويكرر عليه دائما ما يؤكد ذلك ..
فإن التكرار المستمر يـقـر في القـلب كراهية هذا الإنسان ..
وحين يلتقي به فإنه يقطب جبينه تلقائياً ولا يجد راحة في
مجالسته وقد تصدر منه إساءه لهذا الشخص دون ان يقصد ذلك
لأن جوارحه تأثرت بما في قلبه فظهر عليه ذلك المعنى الذي
استقـر في القـلب بكثرة أخبار المعروضه عليه بوصف هذا الشخص .
ومن هنا نعلم أن العلم بالشيء ليس كافياً للعمل به ومعايشته
ففـرق كبير بين
أن تعلم الدين و ان تعيشه فلكي تحصل على هذه ا لمعايشه لابد
لهذا العلم من رسوخ معناه في القـلب لتعمل الجوارح بمقتضاه.
فالعلم : هو استقبال العـقـل للمعلومه والتصديق بها وبهذا تستقر
هذه المعلومه في الذهن.
أما المعايشه : فهي حركة الجوارح الموافـقه لهذا العلم ... ولا
يتم ذلك إلا إذا
انتقـلت المعلومه من الذهـن إلى القـلب لأنه هو المسئول عن
حركة الجوارح وذلك الإنتقال يتم عن طريق أعمال فـكـرالقـلب
فيما استقبله الذهن
ثم لابد من استقرار هذه المعلومه في القـلب ـــ بعد وضوحها فيه
وقبوله لها حتى تعمل الجوارح بمقتضاها وهذه محتاج لترسيخها
وطبعها في
القـلب لأن المعنى قد يتضح ويستـقـر زماناً ثم يتضاءل شيئاً
فشيئاً حتى ينمحي وهذا الطبع لأى معنى في الـقـلب
يتم عن طـريق كثرة العرض للمعلومه على القلب وذلك بترديد
اللسان مع
اعمال فكـرالقلب فيما ينطق به اللسان أما ان يردد اللسان ألفاظاً
دون إعمال للفكر فيها فإنه لـن يصل إلى القـلب منها شيء.
وا لقلب كأي جارحه إذا طبع على شيء واعتاده كانت له ملكه
خاصه في فعله كاللسان قد يذكر الله دون ان يُؤمر
لإعتياده الذكر والقدم تسير بمفردها إلى مكانا ما لاعتيادها
الذهاب إليه وكذلك القلب إذا طبع فيه حقيقه معينه انقاد
إليها بسهوله فمثلاً إذا طبعت فيه حقيقة الالوهيه لله فإنه يتأله
لله بسهوله ويُصبح هذا التأله ملكه خاصه له بحيث
تصير صفه ذاتيه للقـلب لا تحتاج إلى توجيه من الذهن فتراه
يميل لتحـقـيق الألوهيه لله تعالى وينجذب بجملته إلى توحيد الله
وتعظيمه ومحبته.
ولأن سورة الإخلاص فيها الأخبار عن الله تعالى بالأحديه
والصمديه واثبات الكمال له .. فإن عرض هذه الحقيقه على
القـلب بكثره ترديدها باللسان والقول بها يجعل معناها يستقر في
القلب فينجذب القلب لتوحيد الله تعالى ويؤثر ذلك على الجوارح
فتعمل بمقتضاها فتفرد الله تعالى بالقصد في كل ما يخرج منها
من قول أو عمل وهذه هو معنى الإخلاص لله تعالى .
ومن هنا نعلم ان لفظ ( قـل) جاء ليُبين أهمية الإعلان المستمر
على النفس بما جاء في هذه السوره من اوصاف الله تعالى
ليستـقـر معناها في القـلب .. وتعمل الجوارح بمقتضاها